"طوفان الأقصى" والعدوان على غزّة
سياقات الصراع وسيناريوهات الحرب وتداعياتها
تنشر الجمعية الاردنية للعلوم السياسية ورقة تقدير موقف حول الحرب على غزة، وتأمل ان تضيء هذه الورقة الكثير من الجوانب.
الجمعية الاردنية للعلوم السياسية
أ.ياسر نايف قطيشات
اولا: "طوفان الأقصى" : خلفيات المشهد
فاجأت "كتائب القسّام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، إسرائيل والعالم برمته، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023م، بشن هجوم مسلّح مباغت على عدة مواقع للجيش الإسرائيلي في غلاف قطاع غزة، ونجحت حماس في عمليتها النوعية غير المسبوقة والخاطفة، وخلال ساعات اليوم الأول، من السيطرة على قاعدة عسكرية كبيرة وعدد من المستوطنات والمقرات الأمنية ونقاط التفتيش المنتشرة على طول حدود قطاع غزة أو ما يمسى بـ(الخط الأخضر)، ونجم عن هذه العملية مقتل أكثر من (1400) عسكري ومستوطن إسرائيلي واصابة أكثر من (3500)، بينهم ضباط برتب عالية، فضلاً عن أسر أكثر من (150) أسيراً، بالتعاون مع حركة الجهاد الإسلامي.
هدفت حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من هذه العملية، والتي أطلقت عليها (طوفان الأقصى)، وتزامنت مع الأعياد اليهودية، الرد المباشر على اعتداءات حكومة الاحتلال الإسرائيلي، اليمنية المتطرفة، وآلاف المستوطنين، على الشعب الفلسطيني الأعزل في مختلف مناطق الضفة الغربية، والاعتداء على أراضيهم وممتلكاتهم، واستباحة المقدسات الإسلامية والمسجد الأقصى، وإطلاق يد المستوطنين للتنكيل بالفلسطينيين تحت حماية قوات الاحتلال، خاصة بعد حشد جيش الاحتلال قوات ردع في مناطق الضفة الغربية والقدس تقدر بحوالي (30) كتيبة من قوات جيشه، لتهديد وردع مقاومة الفلسطينيين في المخيمات والبلدات الفلسطينية، خاصة بعد اقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه من جانب المستوطنين والمتطرفين خلال الاحتفال بعيد "العُرش" اليهودي، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الحالي.
ويخضع قطاع غزة منذ عام 2006م، لحصار الاحتلال من البرّ والبحر والجو، وهو بنظر خبراء القانون الدولي، ومنظمة العفو الدولية "أكبر سجن مفتوح في العالم"، وأطول حصار يتعرض له البشر في العصر الحديث، وقد تعرّض غزة منذ اعلان حماس تشكيل حكومة مستقلة لإدارة القطاع في عام 2006م، لجملة من الحروب والعمليات العسكرية غير المتكافئة مع قوات الاحتلال، لكن خلالها أثبتت المقاومة دورها في الثبات ومواجهة الاحتلال، وشكّلت في بعض الأحيان عناصر ردع أجبرت جيش الاحتلال عن إعادة تموضع قواته في غلاف قطاع غزة، وقد فشلت العديد من محاولات تصفية قيادة حركة حماس أو القضاء على قدراتها العسكرية التي أخذت بالتطوّر الملفت خلال السنوات العشر الأخيرة.
ولعل ما شجّع الاحتلال على استمرار الحصار هو الصمت العربي حيال القطاع وتراجع اهتمام العرب، عموماً، بالقضية الفلسطينية بعد فصل مسار التطبيع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة، فضلاً عن عدم اعتراف العديد من الدول العربية بحكومة (حماس) في غزة أو التعاون معها، والاعتراف، حصراً، بالسلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية.
على الصعيد الاستراتيجي، شكلت عملية "طوفان الأقصى" ضربة قاصمة لنظريتي " الردع العسكري والتفوّق التقني" التي انفردت بهما إسرائيل ضد أعدائها العرب منذ عقود، حيث انهارت منظومة الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية أمام قوات المقاومة الفلسطينية في غزة، وغيّرت عملية كتائب القسّام والفصائل المساندة لها، واقع معادلة الردع العسكري التي فرضها الاحتلال على قطاع غزة منذ عام 2005م.
إذ كشفت العملية، من جملة ما كشفت عنه، ما يلي:
غياب منظومة التفوق التكنولوجي الإسرائيلي في مواجهة المشهد في الساعات الاولى على الاقل، والتي فشلت في مواجهة قدرات واستخبارات مقاومة غير نظامية، وتكبدت خسائراً بشرية ومادية كبيرة، بلغت، بحسب التقديرات، اكثر من خسائر الاحتلال في حرب عام 1967، وانعكس سلباً على مكانة وثقة الداخل والخارج بأجهزة ومؤسسات دولة الاحتلال، والأهم قدرتها في الدفاع عن كيانها ووجودها، في حال لو تعرضت لهجوم منظّم بقدرات عسكرية موازية أو قريبة لها؛
إخفاق أجهزة الاستخبارات والتجسس الإسرائيلية، التي تعتبر نفسها الأقوى في المنطقة والعالم، عن كشف مخططات عملية "طوفان الأقصى"، رغم ما تخضع له غزة من حصار ومراقبة الكترونية وبشرية على مدار الساعة؛
إخفاق جيش الاحتلال في حماية قواعده العسكرية المحاذية للحدود الشمالية لقطاع غزة، وحماية العديد من نقاط وأبراج المراقبة العسكرية على طول حدود القطاع؛
فشل جدار العزل الأمني، الذي بنته قوات الاحتلال حول غلاف غزة، فانهار بسرعة وعبر آلاف المقاتلين الفلسطينيين صوب مستوطنات الاحتلال.
ارباك وتشتيت قدرات المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية على اتخاذ القرار المناسب لمواجهة التهديدات الأمنية والتجاوب العاجل مع صدمة الحدث الأمني المباغت، مما يعني فشل ذريع في تقييم الوضع السياسي والأمني ونتائجه والتّأخر في إنقاذ الجرحى والقتلى.
ثانيا: "السيوف الحديدية" وحرب الإبادة والتهجير
تمثّل رد فعل حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو، بإعلان الحرب فوراً على قطاع غزة، واستدعاء أكثر من (300) ألف من قوات الاحتياط، بعد أن طلبت الحكومة من المعارضة وضع الخلافات السياسية الداخلية جانباً، لمواجهة خطر الجبهات المتعددة، خاصة الجبهة الشمالية مع لبنان وحزب الله، ثم سرعان ما جرى الإعلان عن تشكيل حكومة طوارئ وطنية، مع تضمين الحكومة وزراء حرب من عتاة اليمين المتطرف، وذوي خبرات طويلة في ارتكاب المجازر والعدوان على الشعب الفلسطيني.
وبعد مرور أسبوعين على بدء الحرب الدامية "الهمجية" ضد المدنيين في قطاع غزة، والتي تطلق عليها إسرائيل "السيوف الحديدية"، باستخدام الطائرات والمدافع وكافة أنواع الأسلحة دولياً ومنها المحرم دولياً، تحوّل القطاع الى ما يشبه (حفرة جحيم) بعد استهداف المدنيين والمباني السكنية والبنية التحتية بشكل مباشر، وفرض الحصار التام ومنع ادخال الأغذية والأدوية وقطع الماء والكهرباء والوقود عن غزة، وتوقّف محطات تحلية المياه، وشل قدرات القطاع الطبي الفلسطيني والدفاع المدني عن انقاذ أو علاج المرضى أو دفن الموتى.
وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن ما ارتكبته إسرائيل بمثابة "أدلة دامغة على جرائم الحرب"، وذكرت أن الهجمات الإسرائيلية "العدوانية" قضت على عائلات بأكملها في غزة! فيما طلبت إسرائيل من الأمم المتحدة، بتاريخ 13 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، نقل أكثر من مليون فلسطيني من شمال قطاع غزة إلى الجنوب في غضون (24) ساعة، قبل قصف المنطقة بشكل كامل، وهو ما نفذه طيران الاحتلال من عمليات قصف عنيفة استهدفت المباني والأبراج السكنية ودور العبادة والمؤسسات العامة والمستشفيات، حتى وصلت لمراكز إيواء تابعة لمنظمات إنسانية دولية وأخرى للأمم المتحدة.
واستخدمت إسرائيل كميات هائلة من الأسلحة، بما في ذلك أسلحة محرّمة دولياً، مثل الفسفور الأبيض، ضد المدنيين في غزة، وكلها أعمالٌ تتنافى مع مبادئ القانون الإنساني الدولي وتوصف بجرائم حرب، مارستها "إسرائيل" – وما زالت- على سمع العالم وبصره.
وجملة المواجهات العسكرية بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وجيش الاحتلال (2008، 2012، 2014، 2021)، وهي حروب غير متوازنة على الاطلاق، ورغم تفوق "إسرائيل"
العسكري وقدراتها التدميرية الهائلة، وإلحاق الخسائر البشرية في المدنيين وتدمير البنية التحتية، إلا أنها لم تنجح في تحقيق هدفها المعلن في كل مرّة، وهو تدمير البنية العسكرية للمقاومة، وردع قدراتها الصاروخية، بل بعد كل مواجهة وحرب، تخرج المقاومة وهي أكثر قوة، واستطاعت خلال السنوات القليلة الماضية من زيادة قدراتها القتالية وكفاءتها بصورة غير متوقعة،
وهو ما ثبت عملياً من خلال قدراتها الهائلة خلال عملية "طوفان الأقصى" الأخيرة، مما جعل المواجهة الجارية اليوم أشد ضرورة عما سبقها من حروب، إزاء حجم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها دولة الاحتلال، ومستوى التصعيد الإقليمي والدولي الذي رافق تطورات الحرب، والتدخلات العسكرية المباشرة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة الى عِظم الأهداف التي ترنو إسرائيل لتحقيقها، بدعم أوروبي، والممثلة في القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة بشكل نهائي، مع احتمالية قائمة لاجتياح بري موسّع، لتحقيق هذه الغاية.
ثالثا: أهداف العدوان الإسرائيلي: تغيير وجه الشرق الأوسط!
وفقا لتصريح رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، فان الرؤية الاستراتيجية المقبلة هي "تغيير وجه الشرق الأوسط"، كما وصفها في مناسبات عديدة بـ"الحرب المصيرية" منذ البداية أعلنت إسرائيل أهدافها من الحرب على غزة بين الانتقام والردع واستعادة الرهائن، كما أضاف لها، قوة الردع الإسرائيلية، بالرغم من تعزيزها بقوة عسكرية أمريكية ودعم لا محدود، ستبقى عاجزة بشكل نسبي عن شن حرب برية شاملة في قطاع غزة، أو غزوه بالكامل، نظير ما يحتاج هذا الأمر من تخطيط لمدى أطول ورسم سياسات أعمق تحاول الإجابة عن إشكاليات معقّدة: هل يمكن احتلال غزة بشكل كامل وفرض السيطرة عليه؟ ماذا بشأن الكثافة السكانية المهولة؟ ومن ثم ماذا بعد ذلك؟
لهذا، أدركت "إسرائيل" مبكراً أنها بحاجة لتغيير سرديتها الدعائية هذه المرة، فحشدت الولايات المتحدة والغرب برمته، قيادة واعلاماً، لدعم ادعاء رؤيتها السياسية، بأنها تواجه حرباً شاملة من محور إيران وحلفائها، وليس من حركة حماس وحدها، لهذا أرجعت، منذ البداية، نجاح عملية كتائب القسام "طوفان الأقصى"، إلى إيران، وحاولت اقناع الرئيس الأمريكي جون بايدن، بهدف الاشتباك مع طهران، بدور الأخيرة في تهديد أمن إسرائيل والشرق الأوسط، خاصة وأن الطرفين يخوضان منذ سنوات طويلة، "حروب ظل" مسرحها الدول العربية!
كما ادّعت "إسرائيل" أن "حزب الله اللبناني، المدعوم من طهران، يقوم بإعادة نشر قواته على الحدود من الجنوب اللبناني، بما يخالف قرارات الأمم المتحدة (قرار 1701)، وحاولت أن تخلق مساحة عازلة على حدودها مع الجانب السوري، لمنع الميلشيات المؤيدة لإيران من الوصول للجولان، وبررّت اعتداء طيرانها الحربي الدائم على الأراضي السورية واستهداف المطارات في دمشق وحلب، لمنع حزب الله وإيران من نقل الأسلحة والصواريخ بين سوريا ولبنان.
رابعا: التضليل والتحيّز الإعلامي
ومن جملة ما كشف عنه العدوان الإسرائيلي على غزة، حجم انحياز الاعلام الغربي للرواية الاسرائيلية وتضليل الرأي العام العالمي بقصص وروايات فضح الاعلام السياسي العربي زيفها وكذبها، ثم جرى الاعتذار عنها من جانب كبرى وكالات الأنباء والقنوات الإعلامية الأمريكية، كما في قضية قطع رؤوس الاطفال الاسرائيليين.
لقد طغى التحيّز الإعلامي الغربي المؤيد للاحتلال الإسرائيلي على مصداقية ومهنية الأخبار والقصص التي بُنيت حبكتها على أساس "هوية الضحايا" وليس حق الحياة الإنسانية.
لقد سقط الإعلام الأمريكي، والغربي عموماً، في فخ الرواية الإسرائيلية المزيفة التي جاءت في إطار ممنهج، يصفه خبراء الإعلام بـ"الدعاية السوداء" الهادفة إلى "شيطنة حماس" وتجريم الحقوق المشروعة للمقاومة والشعب الفلسطيني!
خامسا: مواقف وردود فعل الدول الاقليمية والدولية
رد فعل الولايات المتحدة الأمريكية من أحداث "طوفان الأقصى" أو ما تسميه إسرائيل "السبت الأسود" تدرّج من الدعم إلى الردع والتدخل المباشر لاحقاً، حيث تعرّضت مراكز صنع القرار السياسي والأمني الأمريكي، التي تعتبر "إسرائيل" جزءاً من أمنها القومي!، لصدمة عميقة من هول العملية ونتائجها التي عكست فشل استخباراتي إسرائيلي أمريكي مشترك، ما نجم عنه ردود فعل سياسية مرتبكة، حيث أعلنت فوراً عن دعمها بالكامل لإسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، دون أن تأخذ بعين الاعتبار شبكة علاقاتها ومصالحها مع دول المنطقة، بحيث تمركز الحوار والتشاور والتشبيك الفوري بين الإدارة الأمريكية و"تل أبيب" حصراً، مع تجاهل الموقع والموقف العربي إجمالا من الأزمة، واكتفاء بإعلان تصريحات وتطمينات أمريكية وغربية غير مقنعة لدول الجوار العربية.
ثم بعد أيام قليلة أعلنت الولايات المتحدة عن إرسال حاملة طائرات ضخمة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ودعم قوات الاحتلال بجسر عسكري جوي، وتقديم مليارات الدولارات لتعزيز قوة الردع والإعلان عن المشاركة في عمليات خاصة ونشر قوات أمريكية بالقرب من إسرائيل للحيلولة دون تدخل قوى إقليمية، خاصة حزب الله اللبناني المدعوم من إيران، او لتوسيع دائرة الحرب، بحيث تقتصر دائرة العمليات على الحرب الانتقامية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وحركة حماس وقوى المقاومة الأخرى في غزة.
تكاد تكون المواقف وردود الفعل الأوروبية تجاه عملية "طوفان الأقصى"، ثم عملية "السيوف الحديدية" والعدوان على غزة، متشابهة إلى حدٍ كبير، فكلها بلا استثناء أدانت هجمات حماس وكتائب القسام ضد "إسرائيل"، ووصفتها بـ"الإرهابية"، واعطت الضوء الأخضر "لإسرائيل" للدفاع عن نفسها، بالشكل الذي تراه مناسباً، وبعض الدول أعلنت عن إيقاف مشاريع الدعم والتنمية المقدمة للشعب الفلسطيني، بحجة دعم "الإرهاب"!
وبعد ارتكاب عشرات المجازر وانتهاك أبسط قواعد القانون الإنساني وقصف المدارس والمستشفيات، دعت بعض الدول الغربية إسرائيل، لحماية المدنيين واحترام قواعد القانون الدولي وتخفيض التصعيد، وإدخال مساعدات إنسانية لأهل غزة.
تباينت المواقف العربية من "عملية طوفان الأقصى" وما تلاها من عدوان إسرائيلي وارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، وبخلاف موقف الشارع العربي الذي رحّب بشدة بعملية كتائب القسام يوم السابع من أكتوبر الحالي، حذّرت بيانات رسمية عربية من تداعيات هذه الأحداث على الشعب الفلسطيني، ودعت كلاً من فصائل المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال إلى تهدئة التصعيد.
لكن أخذت المواقف العربية تتطور مع تطوّر العمليات العسكرية والعدوان على غزة بشكل همجي منظّم، فأخذت بيانات الإدانة والاستنكار تصدر عن كافة الدول العربية والإسلامية، ودعت جميعها إلى وقف العدوان وفتح ممرات إنسانية للمدنيين في القطاع، ثم ازدادت سخونة المواقف العربية مع تصاعد حدة وحجم المظاهرات والاعتصامات في كافة المدن العربية والعالمية، خاصة في ظل تحيّز أمريكي- غربي سياسي وعسكري علني تجاه إسرائيل، وتشويه متعمّد لحق المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال بشتى السبل.
كان الموقف الأردني من أكثر المواقف العربية تحركاً على الساحتين العربية والدولية، فقد حمل الأردن على عاتقه منذ اندلاع الأزمة مسؤولية الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، حيث حذر جلالة الملك عبدالله الثاني من أن العدوان الإسرائيلي على غزة دخل مرحلة خطيرة ستجرّ المنطقة إلى كارثة لا تحمل عقباها"، وأجرى سلسلة اتصالات عربية دولية بهدف وقف العدوان، وقام جلالة الملك بجولة أوروبية لحشد موقف دولي يؤيد خفض التصعيد وإنهاء العدوان وتخفيف الأزمة الإنسانية على الشعب الفلسطيني في غزة.
كما حذّر الأردن بشدة من أي محاولة تهجير الفلسطينيين من غزة، أو التسببّ في نزوحهم، وأكد على ضرورة عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار، و"مفاقمة قضية اللاجئين".
وفي أعقاب مجزرة مستشفى المعمداني في غزة، أدان الأردن بأشد العبارات "المجزرة البشعة التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين والمرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في المستشفى.."، واعتبرها جريمة حرب نكراء تتنافي وقيم الإنسانية وقواعد القانون الإنساني الدولي، ودعا الأردن المجتمع الدولي لوضع حد لسفك الدماء الذي يشكل استمراره وصمة عار على الإنسانية.
وعلى إثر هذه المجزرة، قررّ الأردن إلغاء القمة الرباعية والتي كان من المنوي عقدها في العاصمة الأردنية عمّان يوم الأربعاء الموافق (18 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي) بمشاركة الرئيس الأميركي "جو بايدن" والرئيسين المصري "عبد الفتاح السيسي" والفلسطيني "محمود عباس"، إضافة إلى "الملك عبد الله الثاني".
وقد نجح الاحتلال، كما يبدو، في إفشال عقد القمة بعد المجزرة المروعة، حيث كان من المفترض أن تساهم القمة الرباعية في إقناع الرئيس الأمريكي بالضغط على حكومة الاحتلال لخفض التصعيد تمهيداً لوقف الحرب على غزة، كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي"، الذي أعلن أن المملكة قررت إلغاء القمة، بعد مجزرة المستشفى، وكذلك إلغاء زيارة الرئيس الأمريكي للأردن، "لأننا نريد منها إذا عُقدت أن تنتج مخرجاً واحداً لا ثاني له وهو وقف الحرب واحترام إنسانية الفلسطينيين وإيصال ما يستحقون من مساعدات..".
كما أشار الملك عبد الله الثاني في كلمته في قمة القاهرة للسلام (السبت 21 أكتوبر 2023) إلى أن “التهجير القسري أو الداخلي للفلسطينيين يعتبر جريمة حرب"، ودعا الى وقف الحرب بشكل فوري وإدخال مساعدات للمدنيين.
وتحرك الموقف المصري على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والاتصالات الدولية والمفاوضات وحملات الدعم الإنسانية، وذلك بحكم الجوار الجغرافي والمكانة السياسية لمصر في قضايا الأمة العربية، خاصة الفلسطينية، فقد حذرت مصر منذ اندلاع الأزمة عن تداعيات العدوان الإسرائيلي على المنطقة برمتها، ورفضت بشدة دعوة جيش الاحتلال لتهجير سكان قطاع غزة جنوبا نحو معبر رفح وحدود مصر، واعتبرت أن هذا يشكل مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني".
كما عقدت مصر (قمة القاهرة للسلام) يوم السبت الموافق 21 أكتوبر 2023م، وذلك بمشاركة عربية ودولية بهدف محاولة وقف العدوان على غزة والبحث عن أفق مسارات التسوية والسلام وحل القضية الفلسطينية، وأعاد الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" التأكيد الصارم على رفض بلاده النهائي لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مؤكداً أن هذا تصفية تامة للقضية الفلسطينية.
وخلال قمة مشتركة أردنية مصرية في القاهرة، (19 أكتوبر 2023)، أكد البلدان على موقف موحّد رافض لسياسة العقاب الجماعي والتهجير القسري إلى مصر أو الأردن، ودعا البلدان إلى وقف فوري للحرب على غزة وحماية المدنيين ورفع الحصار عن غزة، وحذرا من خشية تداعيات كارثية إقليمية، في حال استمرار العدوان وارتكاب المجازر.
واما إيران فقد قام وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبد اللهيان" بجولة إقليمية شملت دولاً عربية وإقليمية، واستخدام لغة المهادنة تارة من خلال الدعوة لوقف العدوان وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتارة التهديد والوعيد بتوسيع رقعة الحرب في المنطقة، وعلى إثر مجزرة مستشفى المعمداني، طلب من الولايات المتحدة "لجم" إسرائيل إذا أرادت تجنّب حرب إقليمية، وأضاف أن واشنطن تريد إعطاء إسرائيل فرصة لتدمير غزة، وهذا "خطأ أميركي فادح"
كما ندّدت تركيا بالعدوان الإسرائيلي على غزة، واعتبرت أن قطع المياه والكهرباء والغذاء عن مليوني شخص محاصرين، هو جريمة حرب تتعارض مع أيسر حقوق الإنسان الأساسية، واستنكرت بقوة طلب إسرائيل من سكان مدينة غزة إخلاء منازلهم، وقالت، إنه أمر غير مقبول بأي شكل من الأشكال.
وانتقدت الأمم المتحدة طلب إسرائيل تهجير الفلسطينيين، واعتبرت "إنه من المستحيل أن يحصل مثل هذا النزوح للسكان، دون التسبب بتبعات إنسانية مدمرة"، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إسرائيل إلى تفادي كارثة إنسانية، وضرورة إدخال المساعدات الإنسانية لغزة ووقف الحرب فوراً.
سادسا: الحرب البرية .. سيناريوهات واحتمالات
بحسب كافة التحليلات والأخبار الواردة من الكيان الاسرائيلي وما رشح من مصادر سياسية أمريكية وغربية، فإن إعلان الحرب البرية على قطاع غزة قائمة بشتى الأحوال، ولو بشكل محدود، ولا شك ان مساحة غزة الصغيرة (365كم2)، تفرض على قوات الاحتلال هذه المرة تغيير كافة معادلة الردع التقليدية التي استخدمتها في جولات الحرب الخمس الماضية، فهذه الحرب تمتد في حدها الأدنى بتدمير البنية التحتية لقطاع غزة واستمرار الحصار الشامل، بلا ماء وكهرباء ووقود، حتى إطلاق سراح كافة الرهائن المحتجزين لدى حماس، ومن ثم خلق حزام أمني جديد في حدود القطاع.
أما في حدها الأعلى، تغيير خارطة غزة الجيوسياسية، من خلال اجتياح بري للقطاع وتصفية حركة حماس وفصائل المقاومة المختلفة، ومحاولة تهجير أكبر عدد ممكن من السكان إلى جنوب القطاع باتجاه مناطق الجنوب، وتجزئة القطاع لفرض واقع سياسي مغاير، يزيد من قبضة دولة الاحتلال على غزة بالكامل، بحيث يكون، أسوة بالضفة الغربية، تحت سيادتها، كقطاع منزوع السلاح والمقاومة.
ولعل السيناريو الثاني هو الأقرب، بحسب ما صرّحت علناً حكومة الطوارئ الإسرائيلية مؤخراً، إذ أعلنت أن هدف العملية البرية المحدودة أو ما تسميه "المناورة البرية" هو "إبادة حماس وتصفية جيوب المقاومة وخلق نظام أو حزام أمنى داخل قطاع غزة".
ولا شك أن حجم الخسائر التي تكبدتها "إسرائيل"، ولأول مرة منذ نصف قرن، تدفع بسيناريو الاجتياح البري رغم الكلف البشرية والمادية المتوقعة من هذا الخيار، خاصة في ظل الخشية على حياة الأسرى في قبضة "حماس" والفصائل الأخرى، والذين يزيد عددهم عن (150) أسيراً.
ورغم أن كلفة الحرب البرية، بالنسبة لكيان الاحتلال، قد تساهم في تأخير الاجتياح، لكنها تستغل هذا الوقت في سياسة "الأرض المحروقة" لتحويل القطاع إلى مساحة شاسعة غير صالحة للحياة البشرية، بسبب القصف الوحشي ومحاولات الإبادة وفرض العقوبات الجماعية والتهجير السكاني والتطهير العنصري تجاه الشعب الأعزل في غزة؛ والهدف النهائي هو "التهجير القسري" من شمال القطاع إلى جنوبه، ومن ثم إلى "سيناء" المصرية، إن أمكن.
وحكومة الاحتلال أمام خيارين:
الأول: حسم الحرب بشكل سريع، وهذا ما أعلن عنه جيش الاحتلال في الأيام الأولى للحرب، لكن سرعان ما تبيّن صعوبة الموقف، والثاني: هو إعلان حرب مفتوحة وطويلة الأمد، رغم ما يكتنف هذا القرار من تحديات إقليمية خطيرة وخسائر مادية وبشرية جسيمة، وقد تخسر إسرائيل أغلب حلفائها في الغرب، في حال طالت الحرب ونجم عنها "إبادة جماعية وتطهير عنصري و تهجير قسري"، خاصة وأن الضوء الأخضر الأمريكي لإسرائيل، تضمّن، كما يبدو، حرب سريعة خاطفة بأقل الخسائر والجرائم الإنسانية!
سابعا: سيناريو اندلاع حرب إقليمية، فلا نعتقد أن دول الجوار العربية، خاصة الأردن ومصر وسوريا، ستقدم على أية تحرّكات عسكرية بشأن غزة، لكن في ظل تصريحات الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" (18 أكتوبر 2023) بأن محاولة تهجير السكان غزة تجاه سيناء يعني "جر مصر إلى حرب مع إسرائيل"، وهو ما أكد عليه في نفس اليوم وزير خارجية الأردن "أيمن الصفدي"، خلال تصريحات إعلامية.
أما إيران، فرغم ما صدر عنها من تصريحات متباينة بين التهدئة والتصعيد، فإنها بعيدة كل البعد عن خوض حرب إقليمية لأجل غزة، بل هي تستغل هذه الأزمات للدعاية وممارسة "حروب ظل" ضد الولايات المتحدة و"إسرائيل"، لحماية مصالحها، أسوة بالأخرين، كما أن تغيّر موازين القوى الإقليمية، في ضوء تراجع الدور التركي، وكلفة الحصار الاقتصادي عليها ..الخ، كلها عوامل تحول دون توسيعها لدائرة الحرب بشكل مباشر.
كما ترفض بشدة القوى الإقليمية في المنطقة وآسيا، خاصة الصين والسعودية وتركيا، فكرة الحرب الإقليمية أو تشجيعها، للحفاظ على مصالحها ومشاريعها القائمة والمستقبلية، من جهة، والابتعاد عن دائرة النزاع السياسي والدبلوماسي مع مشاريع السياسية الأمريكية في المنطقة وحماية حليفتها "إسرائيل"، من جهة أخرى.
كما أن الولايات المتحدة، ترفض جملة وتفصيلاً، توسيع منطقة الحرب، لرغبتها في التركيز على التحديات التي تواجهها في المحيطين الهندي والهادئ والحرب الروسية -الأوكرانية، لكن وبهدف طمأنة "إسرائيل" أكثر، وتهديد "مسبق" لدول المنطقة، بحرب استباقية، استقدمت واشنطن حاملات الطائرات والجسر العسكري الجوي، وليس لغايات الحرب.
ولكن، لا أحد يضمن رتابة الأحداث وسياقها الطبيعي، كما تتصوّر الولايات المتحدة أو حلفاء إسرائيل في الغرب، فربما تقع أحداثاً من خارج النسق المعتاد، سواء في دول المنطقة أو خارجها أو استهداف قواعد ومنشآت عسكرية ومدنية أمريكية وإسرائيلية وغربية، براً وبحراً، خاصة إذا وصلت المقاومة للحظة الانكسار، بحيث تنزلق معها المنطقة من حرب غزة المحدودة إلى حرب إقليمية، تتدافع فيها التطورات بصورة دراماتيكية وتخرج من مستوى السيطرة إلى حدّ الكارثة الشاملة.
إن عملية "طوفان الأقصى" بمثابة زلزال أصاب إسرائيل والغرب، ومادام العدوان قائم على غزة، فان ظلال الحرب الإقليمية تبدو مخيّمة على المنطقة، بكل الأحوال، خاصة في ضوء تصعيد "خطاب الكراهية" المتبادل في الإعلامين الغربي والإعلامي، ومحاولة "شيطنة" خطاب المقاومة الفلسطينية والدعم الشعبي العربي لها.
لكن، سيبقى قرار توسعة الحرب مرهوناً بتطورات الأحداث وبمدى تجاوب ومفاضلة القوى الدولية بين النزاعات المسلّحة في أوروبا أو الشرق الأوسط، وفي هذه الحالة فقط، ستنتقل الأولوية من حرب أوكرانيا وروسيا إلى المنطقة العربية.
ثامنا: احتمالات استبعاد الاجتياح البري
وفق التحليلات الجيوسياسية، فان احتمالية استبعاد مشروع التوغّل البري في غزة، قد تكون في ظل موقفين:
الأول: إذا أعلنت المقاومة استسلامها ووقف إطلاق الصواريخ من غزة وإطلاق سراح الرهائن، وهذا مستحيل بنظرنا، لأن المقاومة إجمالاً، تتوقع الخسائر قبل المكاسب، وتعتمد منهج "الفر والكرّ"، فهي ليست دولة بالمفهوم التقليدي لإعلان الحرب أو وقفها أو الاستسلام، بل هي فصائل شعبية وميليشيا أو تنظيم عسكري غير نظامي، لديها قيادة وقواعد تنظيمية سياسية وعسكرية داخل وخارج غزة، ورغم محدودية قدراتها العسكرية (التسلّح والعتاد)، لكنها قد تمتلك قدرات قتالية أكثر قوة وشراسة من قوات الاحتلال، في حالة الاجتياح البريّ.
الثاني: توسّع دائرة الحرب في الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني، حيث تُدرك "إسرائيل" أن قدرات وإمكانيات حزب الله تفوق بكثير قدرات "كتائب القسام" وفصائل المقاومة الفلسطينية، كما أن إيران هي الداعم الرئيس لقوات حزب الله، وهذا يعني أن فتح جبهة في الشمال، في حال الاجتياح البري، يعني فتح المجال أما مشاركة وتدخّل ميليشيات أخرى حليفة لإيران في سوريا واليمن والعراق، وهذا يشتتّ ويقلّل من مركزية الأهداف المتعلقة بالحرب البريّة.
بقي القول، أن حسم المعركة، من جانب إسرائيل اليوم، وبحسب العديد من الخبراء العسكريين، لا يمكن أن يجري دون احتلال قطاع غزة مرة أخرى، ولو بشكل محدود، أما مسألة القضاء على حماس وفصائل المقاومة بشكل جذري، هي مجرد تصريحات إعلامية "عاطفية" من جانب مسؤولين سياسيين لتهدئة مستوى غضب المجتمع المنقسم على نفسه في داخل كيان الاحتلال، لأن المعركة البرية، في حال حدوثها، هي التي ستحددّ، فقط، طبيعة المتغيرات والسيناريوهات والأهداف الممكن تحقيقها أو الدخول في نفق مظلم يورّط الاحتلال في سيناريو وحيد هو الغرق في "مستنقع غزة" !
وعلى صعيد التداعيات الإقليمية والدولية، فإن الحرب على غزة اليوم، كشفت للدول العربية، وعلى كافة الصعد والمستويات، حقيقة المشاريع الإسرائيلية- الأمريكية والغربية تجاه محاولة تصفية القضية الفلسطينية بعد طرح فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء المصرية، ومحاولة رسم خريطة جديدة لتغيير وجه الشرق الأوسط، كما إدّعى رئيس حكومة الاحتلال، في أكثر من مرة.
ولا شك أن هذا الخيار المرفوض عربياً، سيواجه بشراسة من جانب دول الجوار العربي، الأردن ومصر وسوريا ولبنان، وسيدخل المنطقة والعالم في صراع جديد، مختلف الشكل والمضمون عما مضى من أزمات إقليمية، خاصة في ظل ظروف عالمية تميل بشدة نحو نظام متعدد الأقطاب، وقوى دولية تراقب المشهد بحذر وعينها على تفكيك نظام موازين القوى العالمي.
كما من المحتمل، مع إطالة أمد الحرب، تعرّض اقتصاد المنطقة، خاصة الأردن ومصر ولبنان ودولة الاحتلال، إلى جملة من الانتكاسات والتداعيات الاقتصادية والإستراتيجية الخطيرة، ما ينعكس سلباً على استقرار الاقتصاد العالمي، الذي قد يصاب بالتباطؤ والركود مع ارتفاع أسعار النفط والطاقة، لاسيما في حال اتسعت دائرة الحرب إقليمياً.
وسيكون لما بعد وقف العدوان، آثارٌ واسعة غير مسبوقة، داخل كيان الاحتلال والأراضي الفلسطينية، ستواجه "إسرائيل" سلسلة أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية عميقة، لن تهدد الحكومة وحسب، بل مصير ومستقبل النظام السياسي "الإسرائيلي" برمته، وكذلك الحال بخصوص مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية التي أصبح على المحك وفقدت الكثير من حضورها الداخلي والعربي، مقابل دعم لا محدود لحركات وفصائل المقاومة الفلسطينية.
تاسعا: ما بعد "الطوفان وعدوان السيوف" !
وفي نهاية المطاف، وبعد أن تنتهي هذه الحرب وتضع أوزاها بشكل كامل، ربما نكون أمام ثلاث سيناريوهات متوقعة:
الأول؛ هزيمة المقاومة الفلسطينية وخروج حماس من قطاع غزة وسيطرة الاحتلال عليها بشكل كلي أو جزئي، مع إمكانية تهجير بعض السكّان (نكبة جديدة) لتقليص مساحة القطاع بعد إقامة منطقة عسكرية عازلة في شمال القطاع.
الثاني؛ انتصار المقاومة بعد فشل الاجتياح البري أو تكبّد الاحتلال خسائر جسيمة، وتعرض كيان الاحتلال لضغوط أمريكية وغربية لوقف الحرب في حال طال أمدها بدون جدوى.
الثالث؛ وقف الحرب دون نصر أو هزيمة، بحيث تفشل "إسرائيل" في تحقيق أهدافها المعلنة بالقضاء على حماس أو إطلاق سراح الأسرى أو السيطرة على قطاع غزة، وهذا في حال تداخل وتطور الأحداث واتساع دائرة الحرب مع الجبهة الشمالية أو غيرها، فيما تخرج حماس وفصائل المقاومة بأقل الأَضرار، وتكتفي بما حققته من إعادة القضية الفلسطينية إلى وعي وضمير حكومات وشعوب العالم بعد عملية "طوفان الأقصى".
لقد خلق "طوفان الأقصى" واقعاً مختلفاً عما سبقه، على الصعيدين "الإسرائيلي" الداخلي، وعلى الصعيد الإقليمي والمنطقة، وأي انتصار ستحققّه "إسرائيل" لن يعيد لها هيبة قوة الردع، بل سيعيدها وجميع الأطراف، مرة أخرى، لطاولة المفاوضات، بعد أن بات الحديث، اليوم، عن حل الدولتين محور اهتمام الأٍسرة الدولية برمتها.
وعلى الدول العربية تكثيف الجهود الدبلوماسية الأردنية-المصرية للحصول على توافق عربي يعوض عن عدم التوافق على بيان ختامي موحد لمؤتمر القاهرة الأخيرة، والاستمرار بجهد دبلوماسي مكثف مع الدول الغربية وتنشيط قنوات التواصل على مستوى مكالمات هاتفية لبحث تطورات مع قادة الدول الغربية، واعتماد خيار الدبلوماسية الشعبية للضغط على الحكومات الغربية من داخل شعوبها ايضا.
توسيع خيارات العالم العربي مع المجتمع الدولي ككل، ومحاولة بناء اجماع عالمي في تحقيق تأسيس الدولة الفلسطينية.